ذ. أحمد الرزاقي

  إن تهميش مقررات التربية الإسلامية والتقليل من قيمتها وأهميتها معناه: تربية الناشئة على الجهل بحقيقة الشريعة وسماحتها ورحمتها للعالمين، أي الجهل بحقيقة الكتاب والسنة وبمقاصدهما الرامية إلى إسعاد الناس في الدنيا والآخرة.
إن تهميش مقررات التربية الإسلامية معناه: تجهيل الناشئة بحقيقة الاجتهاد الشرعي وبضوابطه وأهله وممن تؤخذ عنهم حقيقة الإسلام ومن ليس أهلا لذلك، فيختلط الحابل بالنابل، وبمعنى آخر إطلاق العنان للفوضى العارمة في الاجتهاد والتقول على الوحي ما لم يقصد وما لم يرمي إليه.
إن تهميش مقررات التربية الإسلامية معناه: تخريج ناشئة جاهلة بحقيقة الفتوى وضوابطها ومحاذيرها. وبحقيقة التعامل مع النوازل والمستجدات، جاهلة بحقيقة دينها ومعتقداتها، مهلهلة في تفكيرها غير قارة على مبدأ تعرف به من يستطع الدفاع عنه.
إن تهميش مقررات التربية الإسلامية معناه: ضرب في صميم التكوين الشرعي المتماسك المتبصر، بمعنى العمل على إفقاده البوصلة لدى الناشئة، وجعلها في تيه وعمى، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، لا تعرف ما تقدم ولا ما تؤخر.
إن تهميش مقررات التربية الإسلامية من شأنه أن يصنع التطرف المذهبي والفكري إذا لم يتلقن التلميذ قبل بلوغه: المبادئ السمحة لديننا الحنيف، والقوانين الضابطة لفهم شريعته، والمؤطرة لحقيقتها، فلا شك أنه سيكون عرضة بغير مناعة مكتسبة لكل فكر متطرف، ولكل مذهب مغال.

إن الوحدة المذهبية للمغرب عامل أساس في استقراره، واِلتفات الشعب المغربي على وحدته الوطنية، والتمسك بممثله الشرعي الواحد؛ بحكمة وتبصر؛ صاحب الجلالة أدام الله عزه، عبر التربية الإسلامية النبيلة، فروابط البيعة مرتبطة بالمعطى الديني الإسلامي؛ المتبصر غير الطائش؛ الوسطي غير المتطرف؛ الحكيم غير العابث، فأنظروا رحمكم الله إلى تهميش مقررات التربية الإسلامية أيخدم هذا أم يخرمه؟
فما يكون لكم من قيود على إنسان حرم التربية الحسنة، والتبصر بدين في صباه؛ يوم يكون راشدا، وقد يختار العنف أو التطرف أو الإرهاب أو الإلحاد أو البوذية أو الشيعة أو التدين بطريقة غير طبيعية في المغرب، وغير معتادة وغير ملائمة. 

هل يستطيع القانون أن يحاصره؟ وحاصر القانون ذلك أم لا، ظهر له ذلك أو خفي عنه، ماذا ينفع القانون إذا تسلل من بين أيدينا مغربي، وجنح إلى العنف، أو التطرف أو الإرهاب، أو أن يكون سلبيا في مجتمعه.
إن تهميش مقررات التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية مصنع لكل بلية، وبؤرة لكل تطرف، وتكثير للسلبيين في المجتمع، وتهديد للتماسك الحقيقي المتكامل للمجتمع المغربي.
إن تهميش المقررات تحكُّم في دمقرطة التعليم، إذ ان تربية الأبناء مسؤولية جسيمة تقع على عاتق المسؤولين، لكن بغير حساسية سياسية مغرضة، نعلم أبناء الوطن على قدر المساواة؛ كل ما يخدم أهداف ميثاق التربية والتكوين وعلى رأسها إخراج مواطن صالح لنفسه ولأسرته ولوطنه ولأمته وللإنسانية جمعاء، مواطن يحب الحياة ويعمل على إعمارها، مواطن يتعايش مع غيره ويحب السلام والسلم. وترك الخيار لأبناء الوطن بعد رشدهم ومعرفة مصالحهم الخادمة لهم ووطنهم في أن يختاروا أي شعبة من الشُعَبِ شاؤوا؛ الطب أو الهندسة أو الفيزياء أو الدراسات الإسلامية أو الشريعة والقانون أو الفلسفة القانون الخاص أو العام، أو اللغة العربية، أو اللغة الأمازيغية، أو أي لغة إنجليزية، أو فرنسية، أو اسبانية... أو التكوين المهني أو يتمموا دراستهم خارج الوطن شريطة أن تكون أهداف توجهاتهم تخدم نفس الأهداف الوطنية والمجتمعية والإنسانية لترسيخ دمقرطة التعليم باحترام إرادة الطالب لأنه راشد.أم أن تحجر على التلاميذ وعلى آبائهم بتضيق الخناق على مادة تعتبر من أهم الثوابت الوطنية، ومن أكثر المواد عبر التاريخ خدمة للوطن والمواطنين، فهذا تحكم وسوء تقدير.

إن تهميش مقررات التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية: يضطر الآباء وأولياء الأمور إلى تعليم أبنائهم مبادئ الدين الإسلامي؛ بطريقة غير مضبوطة ولا متحكم فيها، بأنفسهم أو عبر معلمين أو فقهاء، قد يكونون في المستوى وقد لا يكونون كذلك، وهذا عين الفوضى في التربية والتكوين، وتملص من المسؤولية الواجب على الدولة توفيرها ورعايتها والاهتمام بها. وحق لكل مواطن أن يتعلم مبادئ دينه ويعلم حقيقة عقيدته وأحكام شريعته ومقاصدها وسماحتها وتسامحها وحقيقة مصدرها وربانية تعاليمها. 

إن تهميش مقررات التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية: يضطر جمعيات المجتمع المدني القانونية أن تضاعف جهودها من أجل سد الخصاص بطريقة قد تكون عشوائية، أو إديولوجية، أو سياسية؛ بعيدة عن نبل العلم والتدريس، وحقيقة التربية على المواطنة الحقة وأهدافها وغاياتها.  
إن تهميش مقررات التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية: بؤرة لصناعة العشوائية، والارتجال في تعليم مبادئ الإسلام، وتضارب في اجتهادات غير مضبوطة وغير ممنهجة، ثم إنه ضرب من العبث بميثاق التربية والتكوين وبأهدافه ومراميه.

أيها المسؤولون: إذا كنا متيقنين يقينا لا مجال فيه للشك أن ديننا بعيد كل البعد عن الإرهاب، وعن العنف والتطرف، فلماذا لا نعمد إلى تدريس حقيقته وجوهره والتربية على مبادئه السامية، بكل ثقة في علمائنا الحكماء؛ الغيورين على هذا البلد الحبيب إلى قلوبنا، الذين يتنفسون الوطنية الصادقة من أعماق جوفها وتسري دما في عروقهم، هل لأن شخص شاذ دُسَّ في المنتسبين للتربية الإسلامية ارتكب عنفا أو جنح إلى إرهاب؟ نهمش مقررات التربية الإسلامية أو نبدل اسمها، أو نتبرأ من حقيقتها وفضلها على العالمين.

هل كل أستاذ محسوب على مادة ارتكب حماقات أو جار وتعدى أو اِلتحق بإرهاب أو دعا إلى نعمد إلى تهميش مقررات ما كان يدرس من مقررات مادته؟
كم من أشخاص محسوبين على الرياضيات أو الفيزياء أو الفلسفة أو العلوم الطبيعية اعتنقوا الفكر الارهابي المشؤوم؟ هل هذا يعني أنهم تأثروا بما يدرسون من موادهم العلمية؟
إن القضية تحتاج ضرورة إلى رؤية متكاملة، ومنهج علمي دقيق، وإحصاءات علمية نزيهة، لتحديد المسؤول عن صناعة التطرف والعنف والإرهاب، والكراهية، والعنصرية المقيتة، التي ما دخلت مجتمعا إلا ونخرته وجعلته كالصريم.

 ولنتساءل متى ظهرت هذه الآفات المشؤومة في تاريخ المغرب؟ وأي عرق مازال يغذيها ويمد أوصالها؟ متى ظهر فكرة الالتحاق بالإرهاب في التاريخ المغربي؟ وكيف بدأ؟ مَنْ ذا الخائن المستفيد من ذلك؟
منذ قرون والقرويين يشع بالعلم والعلماء وبمختلف العلوم الشرعية الدقيقة والمتخصص والعميقة جدا؛ هل كان هناك عنف أو إرهاب أو تطرف؟
بل كان الانفتاح والحوار والتواصل وصناعة التعايش بين الأمم، وتدريس الناس من مختلف الديانات، مختلف العلوم، دون أن يحدث أدنى ضجيج، أو أدني مشاجرة، بل كان المسيحي يأكل على مائدة واحدة؛ إلى جانب المسلم، ويدرس على شيخ واحد، في مكان واحد،  ولم يقع بينهم أدنى صراع، وليس عندهم أدنى مشكل، ولم يصنع العنف أو الإرهاب. لا لشيء إلا أن مقررات التربية الإسلامية في القرويين كانت هي العمدة وهي الأساس إلى جانب الهندسة والطب والرياضيات والفيزياء والفلسفة وعلم الفلك… 
فالطبيب يدرس التربية الإسلامية، والمهندس يدرسها والفيلسوف والفزيائي والمؤرخ كلهم يدرسون قسطا من التربية الإسلامية، إلى جانب تخصصاتهم الأساس والعمدة عندهم، ولم يكن مشكل العنف أو التطرف أو سوء الفهم لشريعة المبعوث رحمة للعالمين.

إن التاريخ يؤكد أنه كلما همشت مقررات التربية الإسلامية أو ضعفت مناهجها أو لم يُعتنى بها العناية اللازمة؛ تفش الجهل بحقيقة الإسلام وسماحته ورحمته، فتنتشر كل بلية وانحراف وتطرف وعنف ... لسوء فهم الشريعة، وغياب العناية بتدريسها والاِلْتفات إلى مقاصدها وأسرار أحكامها وأهدافها النبيلة وغاياتها الحكيمة.
أيها المتحمسون إلى تهميش مقررات التربية الإسلامية بدل تصحيح مناهجها والعناية اللازمة المتبصرة في إصلاحها وتوسيع مدارك التلاميذ بها وبأحكامها وبالغايات منها، وأسرارها ومقاصدها، عبر مقررات بيداغوجية جادة، وحاسمة للتواصل الفعال والإيجابي بين الأستاذ المدرس والمتعلم التلميذ، وإعطائها متسعا من الساعات، والمعامل أكثر مما هي عليه الآن، وتدريس وجهها المشرق الحامل لراية الإعمار والتقدم الحضاري والتواصل الإنساني الحاث على التعايش، والحوار البناء، والوطنية  المتماسكة. والاِهتمام بالتكوين المستمر، والمتطور والمتبصر، والمواكب للمستجدات، لأساتذتها المدرسين، ومن حيث التكوين المستمر والمواكبة الفعالة لمعلوماتهم البيداغوجية والعلمية والمنهجية، أكثر من غيرهم لأنهم أمناء على حقيقة الدين في التعليم.

أيها المتحمسون إلى تهميش مقررات التربية الإسلامية فلتغلبوا الحكمة والتعقل والبصيرة فإن التاريخ حسيب.  أنظروا رحمكم الله إلى أهمية التربية الإسلامية في دنياكم؛ واستقرار وطنكم؛ وخصوصية ثقافة وطننا الحبيب، ولتنظروا إلى مستقبل أبنائكم وأحفادكم، وأنظروا إلى الإسلام الرحمة والحياة لا إلى تدين البغض والموت، لتنظروا إلى الإسلام الإيجابي في الحياة قبل الموت، لا إلى تدين السلبية والفناء، ولتنظروا ما للإسلام من إيجابيات كثير لا تعد، على الناس جمعاء، وعلى الخلق كافة، حتى لا نخسر ما خسره العالم بانحطاط المسلمين، وتخلفهم أكثر مما نحن فيه، ولنتنافس في إظهار حقيقة الإسلام ومقاصده بكل موضوعية وصدق وضمير.

إن تهميش مادة التريبة الإسلامية صناعة للفوضى العارمة؛ في فهم الشريعة؛ وفتح لباب التقول عليها لمن شاء ما شاء، ما لم تقصد ولم ترمي إليه، إن التهميش لمادة التريبة الإسلامية صناعة للتشدد والاِنغلاق إنه صناعة للميوعة والانحلال.
إن تهميش مادة التريبة الإسلامية صناعة للعنف والطائفية في غياب التربية الإسلامية الحقيقية.
إن تهميش مادة التريبة الإسلامية مساهمة في صناعة الإرهاب بسوء الفهم للإسلام وتعاليمه، واستغلال لمواقفه النبيلة الإنسانية، بتوظيف لمصطلحات خاطئة لا علاقة لها بالإسلام ولا بالوحي الإلهي ولا بالهدي النبوي، المتسامي عن كل سوء ومكروه. وتوظيفها توظيفاً مغرضاً بعيداً حقيقة الشريعة وقواعدها وكلياته الشرعية ومنطقها الواقعي، ورسالتها النبيلة ورحمتها الشاملة. 

إن تهميش مادة التريبة الإسلامية غياب لحقيقة الإسلام الوسطي المعتدل الذي تتلقاه الناشئة في المدارس الرسمية، والذي كان عمدة المغاربة من قرون، وعقيدتهم الراسخة التي لا يحيدون عنها، بمعنى أن الإسلام الوسطي المعتدل صار عقيدة لدى المغاربة؛ بأحكامه وأخلاقه وآدابه وسلوكه ومعتقده، وعباداته ومعاملاته. إن تهميش مادة التريبة الإسلامية: ارتماء في أحضان الأخر شرقيا كان أو غربيا.
إن تهميش مادة التريبة الإسلامية فُقْدانٌ وتفريط في الهوية المغربية الأصيلة، وخصوصيتها المتميزة الوسطية المعتدلة. إن تهميش مادة التريبة الإسلامية فقدان للمناعة المكتسبة لدى الأجيال القادمة.

= = =
المواد المنشورة هنا تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المختبر.

إرسال تعليق

 
Top